بتاريخ 12 آذار 2025، صدر القرار رقم (5) لعام 2025 عن رئاسة الإدارة الانتقالية في الجمهورية العربية السورية، والذي جاء، بحسب مقدمته، “انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، وحرصاً على تعزيز الأمن القومي والاستجابة للتحديات الأمنية والسياسية في المرحلة المقبلة.” وبموجب القرار، تم تشكيل مجلس الأمن القومي برئاسة “رئيس الجمهورية”، ويهدف إلى “تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية.”
رغم ما قد يبدو من أهمية في تحسين التنسيق بين الأجهزة الأمنية وسرعة الاستجابة للتحديات الأمنية، فإن مضمون القرار وتركيبته الحالية يثيران مخاوف جدية تتعلق بوظيفة المجلس، وحدود صلاحياته، وآلية عمله، وتمثيله للمجتمع.
أولاً: غموض خطير في الدور السياسي
أخطر ما جاء في القرار هو “استجابة المجلس للتحديات السياسية” وتكليفه بإدارتها، وهو مصطلح فضفاض لم يتم شرحه أو تحديده. هذا الغموض يفتح الباب أمام تدخل أمني مباشر في الحقل السياسي والاجتماعي بطريقة تشابه قانون الطوارئ الذي كان معمول به من قبل نظام الأسد.
يبقى غموض مصطلح “التحديات السياسية” مدعاة للقلق، إذ يُخشى أن يُفسَّر بما يفتح الباب أمام استهداف الفاعلين في المجال العام، مثل التيارات السياسية المستقلة، والنقابات، والحركات الطلابية، والحركات الاجتماعية، والمبادرات المدنية. فبدلاً من التعامل مع هذه الأطراف كجزء طبيعي وضروري من الحياة السياسية في أي مجتمع تعددي، قد يُنظر إليها كمصادر تهديد يجب ضبطها أمنياً، وهو توجه يقوّض جوهر المشاركة السياسية ويُضيّق الفضاء العام.
ثانياً: ازدواجية في شغل المناصب
ينص قرار تشكيل مجلس الأمن القومي على عضوية كل من وزير الداخلية ومدير الاستخبارات العامة في المجلس. وبحسب التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة الانتقالية، الذي تم بقرار رقم (5) لعام 2025 بتاريخ 29 آذار 2025، يشغل أنس خطاب منصب وزير الداخلية، بينما يشغل في الوقت ذاته منصب مدير الاستخبارات العامة، دون أن يُعلن عن تعيين شخص آخر في هذا المنصب. وبذلك، يشغل خطاب حالياً مقعدين داخل مجلس الأمن القومي، ما يُعرّض التشكيلة إلى خلل في التوازن والتنوع داخل هذا الكيان الحساس.
ثالثاً: غياب التمثيل المدني والتقني
القرار أشار إلى وجود مقعدين استشاريين ومقعد تقني تخصصي يُفترض أن يُشغَلوا من خارج المناصب الرسمية. وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن أي من هذه التعيينات، مما يعكس غياباً في الإرادة لإشراك المجتمع المدني والخبرات المستقلة في قضايا الأمن والإدارة العامة.
رابعاً: انعدام الشفافية في عمل المجلس
رغم مرور أسابيع على تشكيله، لم يُعلن عن أي اجتماع للمجلس، ولا عن أي قرارات أو توصيات أو تعليمات صادرة عنه. لا جدول زمني لجلساته الدورية، ولا محاضر منشورة، ولا آلية واضحة لاتخاذ القرار، مما يُضعف ثقة المجتمع السوري ويعكس غياب المساءلة.
خامساً: الإشكالية المرتبطة بالشرعية
من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الحالية هي إدارة مؤقتة انتقالية، ولا تمتلك الشرعية الشعبية أو التمثيلية الحقيقية التي تُخولها اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد، خاصة ما يتعلق ببنية الدولة الأمنية. هذا يضيف حساسية كبرى لأي خطوة تتعلق بإعادة تشكيل مراكز القوى أو توزيع الصلاحيات.
سادساً: أهمية التنسيق الأمني كهدف وحيد واضح
النقطة الإيجابية الوحيدة التي يمكن تثبيتها هي أن هذا المجلس قد يسهم – نظرياً – في تحسين التنسيق بين الأجهزة الأمنية وتسريع الاستجابة للتحديات الأمنية. ولكن حتى هذا الهدف، لا يمكن أن يتحقق بدون وضوح في الآلية، وتمثيل متعدد، وضمان عدم تغوّله على المجال السياسي.
توصيات مرصد الشفافية
- تحديد وشرح واضح ومفصل لمفهوم ‘التحديات السياسية’، مع تقديم ضمانات قاطعة تمنع استخدام المجلس كأداة لتقويض الحياة السياسية وتحويله إلى أداة قمعية.
- حصر عمل المجلس بالقضايا الأمنية الضرورية مثل حماية الحدود والأمن الوطني، ومنع تجاوزه إلى مجالات أخرى غير أمنية.
- الإعلان عن التشكيلة الكاملة للمجلس في أسرع وقت، مع ضمان تمثيل مدني وتقني كافٍ لضمان التنوع والكفاءة في صناعة القرار.
- توضيح ما إذا تم تعيين مدير جديد للاستخبارات العامة، أو ما إذا كان شخص واحد لا يزال يشغل المنصبين.
- نشر آلية عمل المجلس وجدول اجتماعاته وطريقة اتخاذ القرار، بما ينسجم مع مبادئ الشفافية.
- إصدار تقارير دورية تلخص أعمال المجلس وقراراته، لإعادة بناء الثقة مع الجمهور.
خاتمة
في ظل مرحلة انتقالية بالغة التعقيد، لا يمكن بناء مستقبل آمن دون احترام الحياة السياسية وفتح الفضاء العام. مجلس الأمن القومي، إن أُريد له أن يكون أداة فعالة، يجب ألا يتحول إلى مظلة قانونية لتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية، بل إلى هيئة تنسيقية خاضعة للمساءلة، وتعمل بشفافية، وتضمن التمثيل الحقيقي لمصالح السوريين، لا فقط لمراكز النفوذ المؤقتة.