تشير تفاصيل متراكمة إلى بنية سلطة غير واضحة المعالم قد تكون آخذة بالتشكل خارج نطاق الحكومة المعلنة، وتستمد تأثيرها من علاقات شخصية أو مواقع غير محددة قانونياً. على سبيل المثال، فإن ظهور منصب “الأمانة العامة للجمهورية” دون تعريف وظيفي أو إعلان رسمي يثير تساؤلات حول وجود سلطة تنفيذية موازية لا تخضع لأي نظام رقابي.
الصور الرسمية لاجتماعات أحمد الشرع مع الوزراء في الأيام الأخيرة تُظهر نمطاً متكرراً يعزز هذه الشكوك: غياب المحاضر، غموض الحضور، وجلوس الشرع أحياناً مع شخصيات غير معلنة إلى جانبه، وتفاصيل رمزية تؤكد هذه الشكوك كوجود كؤوس المرطبات المخصصة لأشخاص غير ظاهرين في الصور. هذا يعكس إرباكاً في تمثيل السلطة، وقد يشير إلى وجود مراكز قرار فعلية غير مرئية للجمهور.
إضافة إلى ذلك، فإن موقع أحمد الشرع نفسه ما زال يفتقر إلى ملامح واضحة. هل سيتولى بنفسه رئاسة الحكومة أم أن هناك شخصاً آخر سيديرها؟ وهل سيجمع كل الصلاحيات التنفيذية ويتعدى الصلاحيات التشريعية، كما حصل مع تسريبات ترتبط بمعاهدات ومواثيق تُعد في الخفاء؟ غياب هذا التحديد يُضعف البنية المؤسسية ويُربك الصلاحيات التنفيذية، خاصة في مرحلة يُفترض فيها تكريس الحوكمة الانتقالية.
إن ما تقدمه هذه المؤشرات هو صورة متنامية لسلطة تنفيذية غير شفافة، تفتقر إلى الهيكلة الواضحة، وتعمل من خلال إجراءات غير معلنة، وهو ما يُهدد أسس بناء الثقة الضرورية في أي مرحلة انتقالية.
في موازاة توزيع الحقائب الوزارية، برزت مؤشرات على تعيينات غير معلنة وغير مفهومة الوظيفة، أبرزها تسريب تعيين ماهر الشرع، شقيق رئيس السلطة التنفيذية أحمد الشرع، في موقع “الأمانة العامة للجمهورية” دون إعلان رسمي أو نص قانوني يوضح مهامه وصلاحياته. المثير للانتباه أن بلاغاً رسمياً نُشر لاحقاً بتوقيع ماهر وتوصيف الأمانة العامة للجمهورية (رقم 14) تضمن تحديد عطلة رسمية بمناسبة عيد الجلاء والفصح (لم يُنشر على معرفات رئاسة الجمهورية)، وهو نص يتضمن صيغة قرار تنفيذي كان يُفترض أن يصدر عن رئاسة الحكومة أو جهة مخولة بقرار إداري معلن، لا عن جهة لم يُعرّف موقعها وظيفياً.
تلا ذلك سلسلة اجتماعات أجراها أحمد الشرع مع الوزراء الجدد وفرقهم الوزارية، دون نشر أي محاضر أو ملخصات رسمية لهذه اللقاءات مع شكوك حول حضور أشخاص غير مُعلن عنهم. وقد لوحظ في الصور الرسمية لهذه الاجتماعات أن الشرع كان يجلس في مواقع متفاوتة، لكن باستمرار كان يظهر إما في رأس الطاولة أو في موضع مقابل للفريق الوزاري، وغالباً ما تُخفى الجهة بجانبه. على سبيل المثال:
في لقاء وزير التعليم العالي، ظهر أحمد الشرع على رأس طاولة طويلة إلى جانب الوزير وفريقه، بينما أخفيت الجهة المقابلة تماماً.
في لقاء وزير الإعلام، جلس الشرع في الطرف المقابل للوزير، وظهر في الصور طرف جسد شخص آخر إلى جانبه.
في لقاء وزير التربية، حاولت الصور إظهار مسافة أكبر لكن ظهرت بوضوح كؤوس المرطبات موضوعة لشخصين إلى يمينه، رغم غياب كراسٍ في هذا الطرف.
في لقاء وزير الأشغال العامة والإسكان، أغفلت الصور بشكل متعمد الكرسي الأول على يسار أحمد الشرع
في اجتماع لاحق مع وزير الثقافة، لوحظ تحول واضح في طريقة التقاط الصور، حيث تم تدارك الأخطاء السابقة التي أعطت إيحاءً بوجود أشخاص غير ظاهرين، وتم ضبط زوايا التصوير بعناية لعدم إظهار أطراف أجساد أو كؤوس زائدة. هذا التبدل المفاجئ في التعامل مع الصورة الرسمية يثير مخاوف من وجود سلوك متعمّد لخداع الرأي العام، ويعزز فرضية وجود نية مسبقة لإخفاء بعض المشاركين في الاجتماعات الأولى. إن هذا النمط يرسّخ الشكوك حول وجود دوائر قرار غير معلنة تعمل من خلف الستار، ويؤكد الحاجة الملحّة إلى كشف الهياكل الفعلية وتحديد من يملك السلطة التنفيذية الحقيقية.
هذه التفاصيل تُثير تساؤلات حول طبيعة من يشاركون في دوائر القرار الحقيقية، ومدى الفصل بين الصلاحيات الفردية والمؤسسية. كما تؤكد الحاجة الملحة إلى الشفافية في نشر التعيينات الرسمية، وتحديد الهياكل والصلاحيات بدقة منعاً لظهور سلطات موازية لا تخضع للمساءلة.