منذ تعيينه أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية، ظلّ ماهر الشرع – شقيق رئيس سلطة الأمر الواقع – بعيداً عن الأضواء الإعلامية، غائباً عن المناسبات الرسمية، رغم أن منصبه الذي أُنشئ خصيصاً له يُفترض أن يجعله على رأس الجهاز التنفيذي في البلاد. لم يظهر في الاحتفالات التي استضافها القصر، ولا يمارس نشاطاً معلناً، ولا حتى يشارك في جلسات يُتوقع حضوره فيها كرئيس بل يكتفي بإرسال معاونه.
لم يكن غيابه عارضاً، بل بدا سياسة إعلامية وربما سياسية تقصد إبقاء أقارب رئيس السلطة الحالية في الظل، تفادياً لأي مواجهة شعبية. لكن ظهوره المفاجئ خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو أعاد فتح الملف بكل ثقله، وكشف ما حاول النظام الحالي إخفاءه.
في صور رسمية تداولها الإعلام الروسي، جلس ماهر الشرع إلى يمين وزير الخارجية السوري على طاولة المفاوضات بحضور وزير الخارجية الروسي. ورغم وضوح هذا الحضور، لم يُذكر اسمه في أي بيان رسمي أو تقرير إعلامي سوري، ولم تُعرف صفته ضمن الوفد. هنا تكمن المفارقة، فبحسب التراتبية الإدارية الحالية، يشغل الشرع عملياً أعلى منصب تنفيذي في سوريا، ويشرف على وزير الخارجية والحكومة برمتها. إلا أنه جرى التعامل معه في المشهد الرسمي كما لو كان مرافقاً أو مستشاراً تقنياً، لا كرأس أعلى للجهاز التنفيذي، في تناقض صارخ بين الواقع الإداري والتمثيل الرسمي.
يُرسّخ البروتوكول الدبلوماسي مبدأ التماثل في التمثيل، حيث يُقابل مسؤول رفيع من دولة بنظيره من الدولة الأخرى، وغالباً ما يكون رئيس حكومة مقابل رئيس حكومة. في هذه الزيارة، يمثّل ماهر الشرع أعلى مسؤول تنفيذي في سوريا، لكنه جلس أمام وزير خارجية روسيا، وهو رتبة أدنى منه إدارياً، كما جلس إلى يمين وزير خارجية بلاده، وهو أدنى منه في الترتيب الرسمي.
هذا الترتيب لا يعكس مجرد خلل شكلي، بل يكرّس تهميش السلطة التنفيذية السورية ويؤدي إلى إضعاف موقف سوريا في المفاوضات الدولية. كما يثير تساؤلات حول مدى الاعتراف الرسمي به، ويضر بمصداقية السلطة الحالية داخلياً وخارجياً.
في حين يُفترض أن يمثل رئيس الحكومة السورية الزيارة بهذا المستوى ويستقبله رئيس الحكومة الروسي، فإن الواقع يكشف عن استخدام ماهر الشرع كمستشار تقني، بسبب إتقانه اللغة الروسية والمرّجح احتفاظه بجنسية روسية، ما قد يفسر دوره الفعلي في التواصل والتفاوض.
إن ظهور ماهر الشرع في موسكو بهذه الصورة المخفية وغير الرسمية يعكس الانفصال الواضح بين السلطة الفعلية والواجهة الرسمية التي تُقدّم للعامة والعالم. الخلل البروتوكولي هنا ليس مجرد مسألة شكلية، بل تعبير عن أزمة عميقة في هيكل السلطة وسلطتها.
غياب الاعتراف الرسمي به وعدم وضوح موقعه القانوني يضر بمصداقية الدولة السورية ويزيد من ضبابية المشهد السياسي، ويطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الوطني وسيادته، خصوصاً في ظل مسؤول رفيع يُعامَل كمرافق رغم موقعه الفعلي.
في النهاية، يفصل هذا الواقع بين «السلطة المُعلنة» التي تظهر للعلن، و«السلطة الفعلية» التي تُدار في الظل. هذا الفصل يُضعف مؤسسات الدولة ويقوّض ثقة الشعب وحلفاء سوريا في قدرتها على تمثيل مصالحها بوضوح ومصداقية.
يُحتم هذا الواقع ضرورة إعادة النظر في آليات الحكم، وضرورة الشفافية بشأن من يدير البلاد فعلياً، لضمان استقرار الدولة ومصداقيتها داخلياً وخارجياً.