بعد أشهر من الغياب عن الواجهة الرسمية، ظهر ماهر الشرع – الأمين العام لرئاسة الجمهورية وشقيق رئيس سلطة الأمر الواقع – وهو يترأس اجتماعاً وزارياً علنياً للتحضير لمعرض دمشق الدولي في نسخته الثانية والستين. الاجتماع ضم وزراء الإعلام والثقافة، إلى جانب محافظ ريف دمشق ومعاون الأمين العام لشؤون مجلس الوزراء علي كده وآخرون، ونُشر الخبر والصور عبر القنوات الرسمية.

هذه هي المرة الأولى التي يُقدَّم فيها الشرع بصفته رئيساً لجلسة وزارية، لا مجرد مشارك أو مرافق في وفود خارجية. ما يعني أن ما كنا نرصده في مقالاتنا السابقة – من خلال البلاغات التي أصدرها، وتدخله في قرارات تتجاوز صلاحياته – بات الآن يترسخ علناً: منصبه تحوّل عملياً إلى موقع يحاكي، بل يتجاوز، رئاسة مجلس الوزراء.
منذ إحداث “الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية” بموجب المرسوم التشريعي 38 لعام 2023، كان يفترض بهذا المنصب أن يقوم بدور إداري داعم للرئاسة، يُشرف على الشؤون الإدارية والمالية والقانونية داخل مؤسسة الرئاسة نفسها. لكننا شهدنا خلال الأشهر الماضية سلسلة من الإجراءات أظهرت أن ماهر الشرع تجاوز هذا الدور المحدود ليصبح المركز الفعلي لصناعة القرار التنفيذي في الدولة.
في البداية، أصدر بلاغات ذات أثر سيادي، مثل إلغاء كافة عقود المستشارين والخبراء في المؤسسات العامة، وهو إجراء لا يدخل ضمن صلاحيات منصبه. ثم ظهر في موسكو إلى جانب وزير الخارجية، في موقع بروتوكولي غير متناسب مع رتبته الإدارية المعلنة، ما كشف عن ازدواجية في تمثيل الدولة وإرباك في الهرمية التنفيذية. واليوم، يأتي ظهوره وهو يترأس جلسة وزارية رسمية ليُعلن أن الأمر لم يعد مجرد نفوذ من وراء الكواليس، بل موقع معلن يقود فعلياً عمل الحكومة.
ويوازي ذلك ما نُشر مؤخراً من صورة قرار يحمل توقيعه بتعيين نائب أول لحاكم مصرف سورية المركزي، وهو قرار ذو طابع اقتصادي ومالي سيادي. هذه المؤشرات معاً تعني أن الشرع لا يدير فقط “مكتب الرئاسة” بل بات يفرض نفسه كـ”رئيس حكومة” فوق الوزراء، مستنداً إلى موقعه كأخ لرئيس الجمهورية المعيّن.

خطورة هذا التطور لا تكمن فقط في تجاوز الأعراف الإدارية، بل في تقويض القواعد الدستورية نفسها. فالإعلان الدستوري ينص بوضوح على أن السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية والوزراء. أما اليوم، فالوزراء أصبحوا خاضعين لثلاثة مستويات فوقهم: رئيس الجمهورية، وأمين عام رئاسة الجمهورية (ماهر الشرع)، ومعاونه لشؤون مجلس الوزراء (علي كده).
بهذا، يتأكد ما أشرنا إليه مراراً: الدولة باتت تُدار من خلال هيكل غير معلن، يفتقر إلى سند دستوري أو قانوني، لكنه يملك سلطة القرار اليومي في كل الملفات التنفيذية، من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن الشؤون الإدارية إلى العلاقات الخارجية.
الترسيم العلني لموقع ماهر الشرع اليوم ليس تفصيلاً بروتوكولياً، بل هو إعلان عن ولادة “رئاسة موازية للحكومة” تتشكل في قلب مؤسسة الرئاسة، وتستمد قوتها من صلة القرابة، لا من أي تفويض دستوري. وهو ما يعمّق أزمة الشرعية، ويفتح الباب لمزيد من التآكل في مفهوم الدولة والقانون في سوريا.