كشفت وكالة رويترز في تقريرها الصادر بتاريخ 22 آب/أغسطس 2025 عن نية مصرف سورية المركزي حذف صفرين من العملة المحلية في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالليرة والتخفيف من آثار التضخم. ووفقًا للتقرير، فقد ترأس الاجتماعات المرتبطة بهذه الخطوة نائب الحاكم مخلص الناظر، الذي اجتمع مع البنوك وخبراء القطاع المالي لبحث تفاصيل الإصلاح.
إلا أن المثير للانتباه أن مخلص الناظر ظهر علناً بصفته نائب حاكم المصرف المركزي قبل صدور قرار التعيين، إذ قُدم بهذه الصفة خلال احتفالية إطلاق المنتدى السعودي السوري في 24 تموز/يوليو وتحدث عن الفرص الاستثمارية في القطاع المصرفي. كما أن تقرير رويترز يؤكد أنه مارس أعماله فعلياً بهذا المنصب من خلال ترؤسه الاجتماعات المتعلقة بإصلاح العملة واجتماعه مع البنوك والخبراء، وذلك كله قبل نشر القرار الرسمي المؤرخ في 19 آب/أغسطس (برقم 105).

هذا المشهد يعيد إلى الأذهان ما رصدناه سابقاً في حالة ماهر الشرع وحالات أخرى، حين مارس ماهر الشرع صلاحياته كأمين عام لرئاسة الجمهورية قبل الإعلان الرسمي عن تعيينه كما ينسجم أيضاً مع حالة كل من علي كدة وعامر نامس العلي اللذان شاركا في الاجتماعات الوزارية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع قبل أن يرد اسمهما بشكل رسمي.
تكرار هذه الحالات يكشف نمطاً واضحاً يتمثل في ممارسة شخصيات مهام رسمية وظهورها العلني بصفات مناصبها قبل استكمال مسار التعيين والإعلان القانوني. في حالة الناظر تولى مهام قيادية في ملف إصلاح العملة وشارك في حدث اقتصادي دولي، وفي حالة ماهر الشرع أصدر قرارات إدارية وشارك في اجتماعات وزارية، بينما شارك كدة ونامس في اجتماعات وزارية ومارسا مهام إدارية حساسة.
الأمر نفسه تكرر أيضاً مع تعيينات معاوني الوزراء الذين مارسوا مهامهم فعلاً كمعاونين للوزراء قبل صدور أي قرار رسمي، حيث لم تُعلن أسماؤهم إلا بعد أكثر من شهرين من بدء ممارستهم لأعمالهم. ولا توجد معلومات كافية لمعرفة ما إذا كان هذا النمط يُمارس أيضاً في مستويات حكومية أخرى، الأمر الذي يفتح الباب أمام فوضى حقيقية في المشهد الإداري، ويسمح حتى للمحتالين بانتحال صفات رسمية، ويؤدي في الوقت ذاته إلى إضعاف مصداقية المسؤولين أمام المواطنين.
إن دلالات هذا التكرار خطيرة على مستوى الشفافية المؤسسية، فالقرارات الإدارية لا تصبح المرجعية بل تتحول إلى مجرد أوراق لاحقة لواقع فُرض مسبقاً. قيمة الإعلان الرسمي تتراجع عندما يمارس المسؤول عمله قبل صدوره، الأمر الذي يعمق صورة وجود سلطة موازية غير معلنة تفرض الأسماء وتترك النصوص الرسمية تأتي فقط للتغطية. والأخطر أن هذه الممارسات لا تقوض فقط فكرة الشفافية، بل تضعف أيضاً ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها وتزيد شعورهم بأن القرارات تتخذ خلف الكواليس بعيداً عن أي إطار رسمي واضح.
إصلاح العملة السورية قد يكون خطوة مهمة في ظل الانهيار الاقتصادي، لكن الطريقة التي برز فيها نائب الحاكم الجديد تسلط الضوء على أزمة أكبر تتعلق بالشفافية والإجراءات الرسمية. وبين ماهر الشرع وكدة والعلي والناظر، يبدو أن تجاوز الحدود الشكلية للتعيينات لم يعد استثناءً بل ممارسة متكررة تحتاج إلى مساءلة وضبط مؤسسي.