شهد شهر آب/أغسطس نشاطاً متزايداً للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، من خلال الحضور المباشر لرئيسها ماهر الشرع ومعاونه لشؤون مجلس الوزراء علي كده اللذين ترأسا اجتماعات متعدّدة. وخلال الشهرين الأخيرين توسعت الأمانة العامة في إنشاء مكاتب متخصّصة أبرزها المكتب القانوني بإدارة القاضي فراس شاوردي والمكتب الاقتصادي بإدارة لينا دلال، كما شكّلت لجاناً مركزية تتعدى صلاحيات الوزارات وتعمل مباشرة تحت إشرافها، وهو ما جعل الأمانة العامة تتحول تدريجياً إلى ما يشبه حكومة مصغّرة فوق الحكومة المعلنة.
ففي أقل من أسبوعين ناقشت هذه اللجان ملفات متنوعة ومتفاوتة الأهمية، بدءاً من تنظيم الآليات والمركبات الحكومية ووضع رسوم تسجيلها، وصولاً إلى صيانة الطرق. وهذه أمثلة عن مواضيع تنسيقية إجرائية اعتيادية بين الوزارات، ومع ذلك ارتأت الأمانة العامة أن تديرها بنفسها. حتى معرض دمشق الدولي تحوّل إلى ملف تُشرف عليه الأمانة العامة مباشرةً مع حضور وزراء ومسؤولين كبار تحت إدارة ماهر الشرع.
وتبرز ضمن هذه البنية الجديدة لجنة القوانين المركزية برئاسة فراس شاوردي التي باتت تناقش مشاريع القوانين والصكوك التشريعية للوزارات المختلفة، ثم تُحيل نتائج عملها إلى رئاسة الأمانة العامة لاستكمال إجراءات إصدارها. عملياً أصبحت هذه اللجنة هي الجهة التي تحدّد القوانين والرسوم، بما في ذلك تعديل الرسوم المرتبطة بتسجيل السيارات ورخص السير وهي من مهام وزارة النقل، ويُعد هذا المثال ومعه عمل اللجان الأخرى تجاوزاً واضحاً لاختصاص الوزارات.
لجنة القوانين المركزية لم تكتف بمراجعة الصكوك، بل بدأت تجتمع مباشرة مع الوزراء في مكاتبهم وتستمع لهم ثم تتولى صياغة القوانين. ففي 31 تموز اجتمعت مع وزير التعليم العالي مروان الحلبي، وفي 3 آب مع وزير التربية محمد تركو، وفي 7 آب مع وزير الصحة مصعب العلي لمراجعة التشريعات الناظمة وتطويرها، ومناقشة القوانين والمراسيم الواجب تعديلها أو إلغاؤها في القطاعات المختلفة بهذه الخطوات تحولت الأمانة العامة إلى المرجعية القانونية للوزارات بدل أن تبقى هذه المهمة بيدها.
هذا التوجّه يتوافق مع قرار الأمين العام ماهر الشرع في 2 آب/أغسطس الجاري بإلغاء كافة عقود المستشارين المنتدبين من مجلس الدولة الذين كانوا يقدّمون الدعم الفني والقانوني للوزارات. وبذلك جرى سحب أدوات اقتراح وصياغة القوانين من الوزارات وربطها مباشرة بالأمانة العامة.
الأمر لم يقف عند حدود صياغة القوانين بل امتد إلى ملفات تشغيلية بحتة. ففي 14 آب/أغسطس عقد علي كده اجتماعاً تنسيقياً بين وزارتي الأشغال العامة والنقل لمناقشة صيانة طريق أريحا – اللاذقية وعدد من الطرق الحيوية الأخرى، في تدخل مباشر في تنسيق اعتيادي يُفترض أن يظل بين الوزارات. ما يعني أن الأمانة العامة أصبحت وسيطاً إلزامياً حتى في أبسط أشكال التعاون الحكومي.
هذا التمدّد يكرّس واقعاً جديداً حيث أصبحت الأمانة العامة مركز القرار التنفيذي والتشريعي معاً فيما تُجرّد الوزارات تدريجياً من دورها الطبيعي. الخطورة لا تكمن فقط في تجاوز الاختصاصات بل أيضاً في غياب الشفافية والمساءلة. فمن يحاسب هذه اللجان، ومن يضمن أن القوانين والمشاريع التي تُناقش في مكاتب الأمانة العامة تخدم الصالح العام وليست مجرد قرارات فوقية.
النظام الجديد يتجه ليكون شديد المركزية ليس فقط على مستوى الوزارات بل على مستوى القصر ذاته. في آلية شبيهة بنظام الأسد القديم يُبقي على حكومة شكلية مهمتها الأساسية تسيير الأعمال وتنفيذ أوامر القصر بينما تتحول الأمانة العامة إلى حكومة مصغّرة فعلية عبر مكاتبها التي أُنشئت حديثًا فتتولى وضع السياسات والقوانين وتنسيق المشاريع التنفيذية في تكريس واضح لمركزية القصر على حساب أي مؤسسية حقيقية