أصدر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع أمس المرسوم رقم (148) لعام 2025، الذي أسّس المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وضَمّ في عضويته رئيس المكتب الاستشاري للشؤون الدينية عبد الرحيم عطّون. هذا القرار يؤشر إلى انتقاله من موقع المرجعية الدينية إلى موقع المرجعية التعليمية أيضاً، بعدما أصبح شريكاً مباشراً في رسم السياسات العليا للدولة في مجال التربية والجامعات.

بدأ عطّون في الظهور بالمشهد الديني في المرحلة الانتقالية منذ تعيينه عضواً في المجلس الأعلى للإفتاء، ثم من خلال حضوره إلى جانب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في لقاء وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري أثناء عرض أجندة الوزارة. وقد أكدت مصادر خاصة لمرصد الشفافية وجوده في ذلك اللقاء رغم أن الإعلام الرسمي أخفى الحضور بقصّ الصورة، فيما يقدّر المرصد أن جلوسه على يمين الرئيس الانتقالي عكس موقعاً أعلى من وزير الأوقاف نفسه ومنحه سلطة إشرافية غير معلنة على الوزارة. واكتمل هذا المسار الديني عندما أمَّ المصلين في صلاة عيد الأضحى داخل القصر بعد اكتمال تعيينات الحكومة الانتقالية، وخلفه كبار مسؤولي الدولة، في مشهدٍ رمزي رسّخ صورته كـ”إمام الدولة” وكمرجعية دينية أولى في البلاد.

عبد الرحيم عطّون يؤم كافة القيادات المدنية والعسكرية في صلاة عيد الأضحى في قصر الشعب

وفي نهج مماثل وخطوات مشابهة، يتجه عطّون اليوم لترسيخ موقعه في ملف التربية والتعليم. فقد شارك في لجنة مقابلات تعيين رؤساء الجامعات الجدد ضمن جهود الحكومة الانتقالية، وظهرت صوره إلى جانب وزير التعليم العالي مروان الحلبي وهو يتوسط اللجنة، في مشهد يوحي بأنه كان يقود جلسات التعيين لا مجرد عضو فيها.

وبعد اختيار رؤساء الجامعات الجدد، قام بزيارة رسمية لجامعة حلب بصفته مستشار الرئاسة للشؤون الدينية، حيث استقبله الرئيس الجديد محمد أسامة رعدون. اقتصرت التغطية الإعلامية على هذه الزيارة وحدها، بعدما أثار البيان الصادر عن الجامعة انتقادات واسعة. جاءت الزيارة بعد التعيين مباشرة لتؤكد أن دوره تجاوز المشاركة في اختيار القيادات الأكاديمية إلى ممارسة إشراف مباشر وتقديم توجيهات حول العملية التعليمية والرسالة الجامعية. وقد تضمن البيان الرسمي لجامعة حلب بشكل واضح عبارات تُظهر دوره كمرجع موجّه لسياسات التعليم العالي:

اطّلع الأستاذ عطون خلال زيارته على مجريات العمل الأكاديمي والإداري في الجامعة، وسبل تطوير الأداء والارتقاء بالعملية التعليمية والبحثية، بما يواكب متطلبات المرحلة الراهنة ويدعم دور الجامعة في بناء الإنسان وإعادة الإعمار.

كما تم الاستماع إلى توجيهاته الكريمة التي أكدت على أهمية تعزيز القيم الوطنية والرسالة الأخلاقية للجامعات، وربط المعرفة بالواقع وخدمة المجتمع، بما يعكس الدور الريادي لجامعة حلب كمؤسسة وطنية علمية عريقة في سورية المتجددة.

عبد الرحيم عطّون في زيارة لرئيس جامعة حلب أسامة رعدون 6 تموز/يوليو 2025

بهذا التوسع الممنهج، يرسّخ عبد الرحيم عطّون موقعه كمرجعية عليا تتجاوز حدود الدين لتشمل التربية والأوقاف والجامعات، في مسار يعيد إلى الأذهان تجربته السابقة في إدلب التي بقيت محصورة في نطاق محلي، لكنه اليوم يتخذ شكلاً رسمياً وعلى مستوى الدولة بأكملها.

في إدلب لم يقتصر دوره على الخطاب الديني، بل فُرضت بعض مؤلفاته كمراجع جامعية، ما أثار حينها جدلاً وانتقادات اعتُبرت محاولة لفرض رؤية أيديولوجية على التعليم. هذه التجربة تجعل المخاوف الحالية أكثر واقعية ومشروعية، إذ يبدو أن النموذج ذاته يُعاد إنتاجه ولكن على نطاق أوسع وأكثر تأثيراً، بعدما بات عطّون يتمتع بشرعية رسمية وموقع مؤسسي راسخ في الدولة.

إن الجمع بين المرجعية الدينية والتعليمية ليس مجرد تطور جديد، بل امتداد مباشر لما مارسه عطّون في إدلب، غير أن خطورته اليوم تكمن في أنه يجري بغطاء رسمي وبنفوذ مضاعف يهدد استقلال التعليم ومستقبل التعددية الأكاديمية. ومن منظور الحوكمة الرشيدة والشفافية، فإن هذا المسار يعكس خطورة دمج السلطة الدينية مع القرار التربوي وتجاوز المستشار الديني لرئاسة الجمهورية صلاحيات الوزارات المعنية، إذ يُقصي الرقابة المجتمعية ويضعف استقلالية المؤسسات التعليمية. ما يفرض الحاجة إلى شفافية أكبر في آليات التعيين والقرارات التعليمية، وضمان خضوعها لمعايير الحوكمة الرشيدة التي تحمي التعددية الفكرية والمجتمعية وتصون مصلحة المجتمع والطلاب.