في 27 كانون الأول 2024 أصدر رؤساء كنائس حلب وثيقة بعنوان “رؤية مسيحية لمستقبل سوريا”، أرسلوها إلى الآباء البطاركة في دمشق بتاريخ 28 كانون الأول، ثم سلّموها مباشرة إلى أحمد الشرع في قصر الشعب بدمشق بتاريخ 31 كانون الأول.

تحمل الوثيقة تصوراً لمستقبل سوريا يقوم على المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات. وتدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تُبنى على عقد اجتماعي جديد، وتقوم على المصالحة الوطنية، رفع العقوبات، وإصلاح الدستور والجيش والتعليم والحياة الاجتماعية.
وتشدد على مبادئ أساسية: حكم الشعب بالشعب وللشعب، فصل السلطات، المساواة بين المواطنين رجالاً ونساءً، العدالة الاجتماعية، التوزيع العادل للثروات، وحماية التنوع الديني والثقافي. كما تنص على حرية الاعتقاد، تأسيس الأحزاب الوطنية، وحق التجمع والتظاهر السلمي.
الوثيقة تقترح انتقالاً توافقيًا من السلطة إلى الدولة خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، عبر حكومة انتقالية، لجنة لصياغة الدستور، ثم انتخابات تشريعية ورئاسية بمشاركة السوريين داخل البلاد وخارجها.
النص الكامل للوثيقة:
رؤية مسيحية لمستقبل سوريا
صادرة عن رؤساء كنائس في مدينة حلب
حلب 27 كانون الأول/ديسمبر 2024
سوريا هي أرضُ أجدادِنا، كما هي أرضُ أجدادِ شركاءٍ أعزاءَ في الوطن، اقتسمْنا وإياهُمُ السرَّاءَ والضراءَ في عيشٍ مشترك. واليومَ، وبلدُنا العزيزُ على مفترقِ طرقٍ، آنَ لنا، نحنُ الشعبُ السوريُّ أن نخرجَ من نفقِ الظلمةِ إلى نورِ الحياة، وأن نتطلّعَ إلى وطنِ الحريةِ والكرامةِ والعيشِ الكريم. لذلكَ، فإنَّ واجبَنا الوطنيَّ يُملي علينا المساهمةَ في رسمِ المسارِ الجديدِ لهذا الوطن، من خلالِ مشاركةٍ فاعلةٍ في نهجٍ ديموقراطيّ.
وإن كانَ من الطبيعيِّ أن يتميّزَ كلُّ مواطنٍ وكلُّ مُكوِّنٍ بلونٍ ثقافيٍّ خاصٍّ بهِ، وأن يشعرَ بالمسؤوليّةِ تجاهَ تراثِهِ هذا، فإنَّهُ من الطبيعيِّ أيضًا أن ينسجَ علاقاتٍ منفتحةً وصحيحةً ومتبادلةً مع سائرِ المواطنينَ والمكوِّنات، مما يُضفي على سوريا جمالًا فريدًا عنوانُهُ التنوّع.
وبناءً عليه، إنَّنا نرى في سوريا المستقبل، دولةَ مواطنةٍ حقيقيةٍ، دولةً مدنيَّةً، ديموقراطيّةً، تعدديةً؛ تصونُ حقوقَ جميعِ مكوّناتِها، وتستنهضُ واجباتِهم؛ وتقومُ على عقدٍ اجتماعيٍّ يستخلصُ تجاربَ الأممِ المتحضّرةِ والمتطوّرة، التي ضَمنَتْ لشعوبِها عقودًا من الاستقرار والازدهار، دولةً همُّها الأولُ أن تنهضَ بشعبِها نهضةً أخلاقيّةً، ثقافيّةً، اجتماعيّةً واقتصاديّة؛ دولةَ مواطَنةٍ، مندمجةٍ في محيطِها، تسعى إلى إحلالِ السلام ِعلى كاملِ أرضِها وطولَ حدودِها.
ونرى أنَّ الأساسَ المتينَ في هذهِ المرحلةِ الانتقاليّةِ هو العملُ المشتركُ لجميعِ المكوِّناتِ السوريّةِ دونَ إقصاء، بما تحملُ من غنىً فريدٍ، لرسمِ مستقبلِ الوطنِ وصياغةِ الدستور. فلا شيء غيرَ العملِ المشتركِ يضمنُ الاستقرارَ المنشودَ والمستدام، ويمنحُ الشرعيّةَ للدستور، الذي هو الضامنُ الوحيدُ لمستقبلِ البلاد.
ونحن المسيحيّون، باعتبارنا مكونّاً أساسياً من مكوّنات الشعب السوري، متأصّلاً في هذه الأرض، وحيوياً وفاعلاً فيها ولأجلها، نتطلّع لبناء سوريا، دولة حرّة مستقلة، تقوم على مبادئ ينبغي على الدستوري الجديد أن يضمنها، ويعبّر عنها صراحةً، ويضمن حمايتها وتحقيقها على أرض الواقع، وفق الآتي:
١. سوريا دولةُ مواطَنةٍ، مَدَنيةٍ، تَعدُّديَّةٍ، ديمُقراطيةٍ، ذاتُ سيادةٍ على كاملِ أراضيها.
٢. السيادةُ للشعب السّوري بمكوّناتِهِ كافةً، لا يجوزُ لفردٍ أو لجماعةٍ ادعاؤها أو احتكارُها.
تقومُ هذهِ السيادةُ على مبدأ حُكم الشَّعبِ بالشَّعبِ وللشَّعب.
٣. نظامُ الحكمِ جمهوريٌّ، بَرلمانيٌ، يقومُ على اللامركزيةِ الإدارية، ويُراعى فيهِ التمثيلُ العادلُ لجميعٍ مُكوِّناتِ الشَّعبِ السُّوري.
٤. مَصادرُ التشريع متنوعةٌ، تصونُ مصالحَ الشعب، وتلتزمُ مبادئَ شرعةٍ حقوقِ الإنسان.
٥. مبدأُ فصلِ السُّلطاتِ أمرٌ جوهري، يضمنُ الدستورُ عملَ كلّ منها باستقلاليةٍ تامة. وهي:
- السلطةُ التشريعيّة: تتكوَّنُ مِن غرفتين، هما: مجلسُ الشيوخ، ومجلسُ النواب، لمراعاةِ تمثيلِ مكوناتِ المجتمعِ كافةً. لضمانِ أن يكونَ الشعب، بمكوناتِهِ كافةً، هوَ مصدرُ السلطةِ التي تضعُ السياسةَ التشريعيّة.
- السلطةُ التنفيذيّة: تتكوّنُ من كفاءاتٍ فاعلةٍ تلتزمُ تطبيقَ القوانينِ وخدمةِ الشعب.
- السلطةُ القضائيّة: مستقلةٌ، تحافظُ على سيادةِ القانونِ وتحقيق العدالة.
٦. يقومُ الحكمُ على أُسسِ المواطنةِ واحترامِ الحرياتِ الأساسيّة، والتي تتمثلُ بـ:
أ- المساواةِ بينَ جميعِ المواطنينَ دونَ تمييزٍ بينَهم، إن بسببِ الجنسِ أو الدينِ أو المعتقدِ أو الإثنية أو اللغة.
ب. الحقِّ في المشاركةِ الفاعلةِ لكلِ مواطنٍ، رجلًا كانَ أمِ امرأة، في الحياةِ السياسيّةِ
والاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ والثقافيّة.
ت- سيادةِ القانون، وضمانٍ حقّ التقاضي، وتحقيقِ العدالةِ بأشكالِها كافة.
ث- تمتُّعِ المواطنينَ بالتساوي فيما بينهم، بحقوقِهم الإنسانيّةِ كافة، والتزامِهم بواجباتهم
الوطنيّة.
ج. نظامِ اقتصاديّ واجتماعيّ صالحٍ، يحقِّقُ العدالةَ الاجتماعيّة، ويصونُ حقَّ العمل،
ويؤمِنُ العيشَ الكريمَ للمواطنين.
٧. يضمنُ الدستورُ احترامَ الحياةِ البشريّةِ وكرامتها، منذُ اللحظةِ الأولى لنشأتها وحتى نهايتها الطبيعيّة.
٨. يضمنُ الدستورُ حريّةَ الاعتقاد، للأفرادِ والجماعات، وحريّةً التعبيرَ عنهُ بما لا يتعارضُ مع النظام العام.
٩. يضمنُ الدستورُ حريّةَ العملِ السياميّ وتأسيس الأحزاب، على أساسٍ وطنيّ غيرٍ طائفي، وحقَّ التجمّعِ والتظاهرِ السلميّ.
١٠. يضمنُ الدستورُ حريّةَ العملِ الاجتماعيّ، وتأسيسِ الجمعيات.
١١. يضمنُ الدستورُ حريّةَ التعبيرِ عن الرأي، وحريّةَ الإعلامِ الخاص، وحياديّةِ الإعلامِ العام.
١٢. يضمنُ الدستورُ خصوصيّةً الأحوالِ الشخصيّةِ للمكوّناتِ الدينيّةِ كافةً.
١٣. العلمُ والأخلاقُ هما أساسُ السياسةِ التعليميّةِ والتربويّة.
وإننا نرى أن المهامَ الأساسيّةَ للحكومةِ المؤقتةِ الحاليّة، في المرحلةِ القريبة، هي ضمانُ الأمنِ والأمانِ للمواطنين، والعملُ على إعادةِ الخدماتِ العامة، ووضعُ خطةٍ شاملةٍ للاستجابةِ للوضعِ الإنسانيّ العام، والحفاظُ على مؤسساتِ الدولةِ ومقدّراتها، وذلكَ لخلقٍ نوعٍ من الاطمئنانِ والثقةِ فيما تقومُ بِهِ هذهِ الحكومة.
وإننا نتطلّعُ إلى الانتقالِ بالطريقةِ التوافقيّة، من السُّلطةِ إلى الدولة، في مدةٍ أقصاها ثمانيةِ عشرَ شهرًا، وبإشرافِ الأممِ المتحدة، وفقَ القرارِ ٢٢٥٤، بعدَ تعديلِهِ، ليناسبَ الحالةَ الراهنة، وإنجازِ هذهِ العمليةِ يتمُّ كالتالي:
١. تشكيلُ حكومةٍ انتقاليّةٍ تضمُّ مكوّناتِ الشعبِ السوريّ كافةً، تعملُ وفقَ مبادئ دستوريّةٍ مؤقتةٍ متفقٍ عليها.
٢. تشكيل لجنةٍ من كلّ مكوّناتِ الشعبِ السوريّ لصياغةِ الدستورِ الدائم، وإقرارِهِ، باستفتاءٍ شعبيّ، يضمنُ مشاركةَ الجميع، في داخلِ سوريا وخارجها.
٣. إجراءُ انتخاباتٍ ديمقراطيّةٍ، برلمانية ورئاسية، تضمنُ مشاركةً جميعِ السوريين، في داخلِ سوريا وخارجِها.
آملينَ أن تبقى سوريا، الوطنَ الواحدَ لجميعٍ أبنائِهِ.