تلقى أهالي حي السومرية في دمشق أمس بلاغ إخلاء جماعي لمنازلهم خلال مهلة قصيرة، رافقته حملة أمنية ميدانية استخدمت الترهيب والعنف والسرقة، بحسب شهادات السكان. الوثيقة التي اطّلع عليها المرصد تُظهر أن البلاغ صادر عن “لجنة الإسكان العامة” التابعة للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، دون أن يتضمن اسماً واضحاً لمسؤول أو توقيعاً شخصياً، وممهور بختم إلكتروني بدلاً من الختم المؤسسي التقليدي بالحبر.

هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها هذه اللجنة. ففي أيار/مايو الماضي وجّهت اللجنة نفسها بلاغاً مماثلاً إلى سكان مساكن العرين في قدسيا بريف دمشق بالصياغة ذاتها، ومنحت الأهالي ثلاثة أيام فقط لإخلاء مساكنهم، مهددة بالإخلاء الجبري ومصادرة المحتويات.

بلاغ من لجنة الإسكان العامة للأهالي في مساكن العرين بقدسيا/ريف دمشق

خطورة هذه البلاغات لا تتعلق فقط بمضمونها وإجراءاتها غير القانونية، بل تتعداها إلى طبيعة عناصر اللجنة. شهادات من أهالي السومرية تحدثت عن شخص “يُكنىّ بالشيخ” يقود مجموعة مسلحة شاركت في تنفيذ الإخلاء، لا تبدو أنها جزء من قوات الأمن العام النظامية. هذه المجموعة استخدمت العنف المباشر والترهيب وسرقة الممتلكات، ما يثير تساؤلات جدية، إذ كيف تحمل لجنة اسماً يوحي بأنها ذات طابع مدني بينما يظهر عناصرها مسلحين ويمارسون العنف والترهيب، فضلاً عن الغموض المحيط بعلاقتها المباشرة بالأمانة العامة لرئاسة الجمهورية كما هو موضح في الوثيقة.

إن صحّ أن عناصر اللجنة المسلحين بقيادة “شيخ” يتبعون مباشرة للأمانة العامة وينفذون أوامر ماهر الشرع نفسه، فنحن أمام تطور خطير في هيكلية مؤسسة الرئاسة عموماً والأمانة العامة خصوصاً. فقد رصدنا سابقاً تجاوز الأمانة العامة لصلاحيات الحكومة والوزارات وترسخها كحكومة مصغّرة موازية. واليوم يبدو أنها تمتلك أيضاً ذراعاً مسلحاً يعمل خارج أي إطار قانوني، وهو ما نعرفه حتى الآن وقد لا يكون الذراع الوحيد. وفي ظل الإعلان الدستوري الذي يمنح الرئيس الانتقالي ومؤسسة الرئاسة حصانة من المساءلة والمحاسبة، يصبح وجود فصيل مسلح تابع للأمانة العامة دليلاً واضحاً على وضع نفسها فوق القانون متجاهلة حتى التصريحات الرسمية التي تحصر السلاح بوزارة الدفاع ووزارة الداخلية.

أما عمليات الإخلاء – حتى في المناطق العشوائية – فيفترض أن تتم بموجب أوامر قضائية وبإشراف لجان رسمية تضم ممثلين عن المحافظة والقضاء والأمن والجهات الأهلية. تجاوز هذه الأطر وتحويل الإخلاء إلى عملية ذات طابع عسكري تديرها لجنة غامضة لا يعبّر فقط عن انتهاك صارخ للحقوق الأساسية للسكان، بل يكشف أيضاً عن غياب كامل للآليات القانونية والمؤسسية. فبدلاً من المرور عبر القضاء والجهات الإدارية المختصة، يجد الأهالي أنفسهم في مواجهة إجراءات قسرية تُنفّذ بالقوة، بما يترافق مع ترهيب وسرقة وغياب أي ضمانات قانونية أو إنسانية، تنفذها لجنة غامضة تتبع الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية.

أما في حال لم تكن لجنة الإسكان تابعة للأمانة العامة، فنحن أمام فوضى أخطر، إذ يمكن لأي فصيل مسلح أن يدّعي أنه ينفذ أوامر رئاسية أو يعمل باسم مؤسسة عليا، دون قدرة المواطنين على التحقق أو الاعتراض.

الحادثتان – قدسيا في أيار/مايو والسومرية في آب/أغسطس – تكشفان أن لجنة الإسكان العامة باتت أداة جديدة للضغط والإخلاء والترهيب، في سياق يرسخ سلطة الأمانة العامة بوصفها سلطة موازية وفوقية. وهذا تطور بالغ الخطورة، ليس فقط لأنه يعرّي تجاوزات قانونية ومؤسسية، بل لأنه يفتح الباب أمام انتهاكات متكررة لحقوق السكان دون أي مساءلة أو محاسبة.

مرصد الشفافية يحذر من أن الأمانة العامة لم تعد تكتفي بالهيمنة على صياغة القوانين وتجاوز الوزارات كحكومة مصغّرة فوق المساءلة، بل قد تكون اليوم دخلت طوراً جديداً من التحكم بالسكان وأملاكهم عبر أدواتها الخاصة، وأيضاً عبر ذراع عسكري يمارس العنف والترهيب. هذا التحول يعمّق انعدام الشفافية ويكرّس سلطة القصر فوق أي مؤسسات أو قوانين.